انتفاضة الشعب
( 1 ) ثورة القاهرة ضد العادل :
هزَّ الفرح جماعة الإصلاح والوحدة بنجاة نجم الدين، وأقبل بعضهم على بعض مهنئاً، ثم اجتمعوا في دار أبي بكر القمَّاش وجعلوا يقلِّبون الرأي في معاونة نجم الدين على دخول مصر، وإبطال كيد سوداء، واتفقوا على أنْ تَشِبَّ ثورة عنيفة في مصر حين يخرج العادل للقاء نجم الدين، تُلجئ العادل إلى العودة سريعاً دون أن يواصل السير، ثم خرجوا يدعون الناس سراً إلى ما اتفقوا عليه، ويبصِّرونهم بما يجب على الشعب أن يصنعه، للتخلُّص من الحكام الجائرين، ويُبَيِّنون لهم أنَّ البلاد مِلكُ الشعب، وأنَّ الحاكم نائب عن الشعب، يبقى ما عدل، فإنْ ظلم أو انحرف وجب خلعه وتولية من يُصلِح، و أنَّ السكوت على جَوْر الحكام لا يُقِرُّه الشرع، بل يعتبر الساكت عن الظلم شريكاً فيه.
( 2 ) موقف الأمراء الكاملية :
وفي مكان ما من أحد القصور بالقاهرة، كان الأمراء الكاملية وغيرهم من الساخطين على العادل وحاشيته، يتدارسون الموقف ويستعرضون ما انتهت إليه الأمور من السُّوء، على يد العادل وعبثه ولهوه وانصرافه عن شئون الدولة، واحتجابه عن الناس وتركه الزمام للحاشية التي تتجرأ باسمه على الإثم، وتفرض ما تشاء من الضرائب، وتقترف ما تهوى من أبشع الجرائم اعتماداً على قربها منه، وتلك الألوف من الدنانير التي تُنثر على المساخر والعابثين والمُضحكين والسُّمار، الذين تحفل بهم القلعة من أول الليل إلى مطلع النهار، لا يفيقون ولا يعرفون سوى الكأس وبريق الدنانير التي تُلقى إليهم دون رقيب ولا حسيب.
( 3 ) اتفاق الأمراء على خلع العادل :
ثم اتفقوا على خلع العادل والقبض عليه، وإرسال بعض الأمراء والكبراء إلى نجم الدين يحثُّونه على الإسراع بدخول مصر، ويطمئنونه بما يَرَون من الشعب، وعندما بلغ نجم الدين ما اتفقت عليه سوداء والصالح إسماعيل خاف أن يحصر بينهما، ولما حدَّثَ شجرة الدر في ذلك قالت : لا أظن شعب مصر يسكت على العادل وعبثه، وقد حدَّثتني يا مولاي طويلاً عن هذا الشعب العظيم وخصائصه الجليلة، وكيف إنَّه يصبر ما يصبر لكنَّه لا يسكت عن حقِّه، ويهدأ ويهدأ ولكنه لا يستكين لغاصبٍ، ولا يذلُّ لمعتدٍ
( 4 ) نجم الدين يدخل العريش :
ولم يطل بهما الحديث فقد جاء الأمراء الذين أُرسِلُوا إلى نجم الدين يستأذنون عليه، ومن بعدهم أبو بكر القمَّاش، جاء يخبره بعزم الشعب على خلع العادل والقبض عليه، فسُرِّي عن نجم الدين وزال هَمُّه، وجعل يستمع إليهم مشرق الوجه، وبعد غدٍ كان نجم الدين يقطع الطريق مُشَمِّراً إلى أرض مصر، ومعه أبو بكر القمَّاش وأمراء المماليك، وبعض كبار مصر، وداود يفكر في الثمن الذي يظن أنه سيقبضه حين يبلغ مصر، وهودج شجرة الدر يهتز معلناً الفرحة التي تملأ الأفئدة حتى دخل الموكب الرمل بين العريش والعبَّاسةِ، فقابلتهم وفود مصر مُحيِّيَةً مهنِّئةً، ولم ينزلوا منزلاً إلا قدم عليهم طائفة من الأمراء ومن الشعب، مستبشرين فرحين، حتى نزلوا بُلبيس.
( 5 ) الجيش المصري يستقبل نجم الدين:
وعلى الرمال الصفراء المنبسطة هناك، كانت مضارب الجيش المصري تخفق فوقها الأعلام، أمامها صفوف من الجند وقفت تستقبل الملك الصالح نجم الدين، طبولها تَدُقُّ وهتافها يرتفع إلى عَنان السماء، ونجم الدين وداود يمشيان بينها، حتى بلغا خيمةً كبيرةً حولها جنود أشداء يحيطون بِها في حذرٍ وانتباهٍ، ومن باب هذه الخيمة رأى نجم الدين أخاه العادل في وسطها، مُكَبَّلاً بالأغلال، ذليلاً فاقد الحول والطَّوْلِ، فلوى عنه وجهه وهو يقول مُعتبراً : هذا جزاء الظالمين العابثين بأموال الناس ودمائهم وأعراضهم! " إنَّ الله لَيُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِتْه."
( 6 ) نجم الدين يدخل القاهرة :
ولم يتمهَّل وألقى أمره بالرحيل إلى القاهرة، فتحرك الجيش، وصهلت الخيول، واهتزت الهوادج، وقَلْبُ نجم الدين يخفق بالفرح، وقلب شجرة الدر يفيض بالحبور، تودُّ لو طار بِها الهودج وبلغ بِها قلعةَ الجبلِ، قبل أن تُفلِتَ سوداء بنت الفقيه، لتلقى جزاءها.
سؤال وجواب
س : ما شعور جماعة الإصلاح والوحدة نحو نجاة " نجم الدين " ؟ وعلام اتفقوا ؟ وماذا فعلوا لتنفيذ ما اتفقوا عليه ؟
جـ : جماعة الإصلاح والوحدة عندما علموا بنجاة " نجم الدين " : هـزَّهم الفرح جميعًا وأقبل بعضهم على بعض مُهنئًا.
* واتفقوا على إشعال ثورة عنيفة في مصر ، حين يخرج العادل للقاء " نجم الدين " ؛ تُجبره على العودة سريعًا دون مواصلة السير.
* 1ـ خرجوا يدعون الناس سِرًا إلى ما اتفقوا عليه.
2ـ وأخذوا يُبصرون الناس بما يجب على الشعب أن يصنعه للتخلص من الحكام الجائرين.
3ـ ويُبينون للناس أن البلاد مِلك الشعب ، وأن الحاكم نائب عن الشعب ، يبقى ما عدل ، فإن ظلم أو انحرف وجب خلعه وتولية من يُصلح.
4ـ وأن السكوت على جوْر الحُكام لا يُقرُّه الشرع ، بل يعتبر الساكت على الظلم شريكًا له.
س : ما حُكم الشرع في الحاكم الجائر، وفيمن يسكت على ظلمه ؟
جـ : حُكم الشرع في الحاكم الجائر: يجب خلعه وتولية مَنْ يُصلح.
* حُكم الشرع فيمن يسكت على ظلمه : يُعتبر شريكًا له في الظلم.
س : ما الهدف من خروج العادل للقاء " نجم الدين " ؟
جـ : الهدف من خروج العادل للقاء " نجم الدين " : لكي يُواجهه من أمامه في الوقت الذي يُهاجمه فيه الصالح إسماعيل من خلفه فيُحصر بينهما فلا يستطيع نجاة ، ولا يجد مهربًا.
س : ثم اتفقوا على خلع العادل والقبض عليه ، وإرسال بعض الأمراء والكبراء إلى " نجم الدين " يحثونه على الإسراع بدخول مصر ، ويُطمئنونه بما يرون من الشعب ............".
ـ مَـنْ الذين اتفقوا ؟ وعلى أي شيء اتفقوا ؟ وما مُبرِّراتهم في ذلك ؟
جـ : الذين اتفقوا : هم الأمراء الكاملية ، وغيرهم من الساخطين على حُكم العادل.
* واتفقوا على خلع العادل ، وتولية من يُصلح.
* ومُبرِّراتهم في ذلك :
1ـ فساد العادل ولهوه وعبثه.
2ـ انصرافه عن شئون الدولة.
3ـ احتجابه عن الناس.
4ـ تركه زمام الأمور للحاشية تتجرَّأ باسمه على الإثم ، وارتكاب الجرائم ، وتفرض ما تشاء من الضرائب.
5ـ إنفاق أموال الدولة وتبذيرها على السُّـمَّار والمُضحكين والعابثين والراقصات الذين تمتلئ بهم القلعة من أول الليل إلى مَطلع النهار.
س : ما الاتفاق الذي تـمَّ بين " سوداء " والصالح " إسماعيل " ؟ وما موقف " نجم الدين " عندما علم بهذا الاتفاق ؟
جـ : الاتفاق الذي تـمَّ بين " سوداء " والصالح " إسماعيل " : هو أن ينقضَّ عليه الصالح " إسماعيل " من الخلف ، بينما يواجهه جيش مصر من الأمام ، فيُحصر بينهما فلا يستطيع نجاة ، ولا يجد مهربًا.
* وكان موقف " نجم الدين " عندما علم بهذا الاتفاق : خاف و فزع فزعًا شديدًا ، وأخذ يُفكر كيف يخرج من هذا المأزق.
س : كيف هوَّنت " شجرة الدر " على " نجم الدين " ما أصابه ؟
جـ : هوَّنت " شجرة الدر " على " نجم الدين " ما أصابه : حيث قالت له :" لا أظن شعب مصر يسكت على العادل وعبثه ، وقد حدثتني يا مولايّ طويلاً عن هذا الشعب العظيم وخصائصه الجليلة ، وكيف أنه يصبر ما يصبر ، ولكنه لا يسكت عن حقه ، ويهدأ ويهدأ ولكنه لا يستكين لغاصب ولا يذل لمعتدٍ ".
س : فى أى شىء كان يفكر داود وهم فى الطريق إلى مصر ؟
جـ : كان يفكر فى الثمن الذى يظن أنه سيقبضه حين يبلغ مصر .
س : متى تحـرَّك موكب " نجم الدين " مُتجهًا إلى مصر ؟
جـ : تحـرَّك موكب " نجم الدين " مُتجهًا إلى مصر: بعد وصوله إلى العريش بيوم واحد.
س : ما الذى رآه نجم الدين من باب الخيمة وما موقفه منه ؟
جـ : رأى نجم الدين أخاه العادل " سيف الدين " : مُكبَّلاً بالأغلال ذليلاً ، فاقد الحول والطول ، محبوسًا في خيمة مُحاطة بالحراس الشِّداد ، فلوَّى عنه وجهه وهو يقول مُعتبرًا : هذا جزاء الظالمين العابثين بأموال الناس ودمائهم وأعراضهم ! " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته ".
س : ماذا تمـنَّت " شجرة الدر " ؟ ولماذا ؟
جـ : تمـنَّت " شجرة الدر " : أن لو طار بها الهودج إلى قلعة الجبل ؛ لتقبض على " سوداء " لتلقى جزاءها قبل أن تهرب.
وبالله التوفيق........